يُمكن القول أن المجتمع في عهد الدولة الأموية - على الرغم من عدم امتلاكه تدرجاً اجتماعياً دقيقاً أو صارماً - قد تألف من خمس طبقات أساسية، هي: الخلفاء والولاة والعلماء والأثرياء والعامة. فالطبقة الأولى هي الخلفاء وعائلاتهم، وهم أصحاب السلطة والسيادة العليا في الدولة ولهم الصلاحيات المطلقة بها. ثم يليهم كبار الولاة والقادة وكاتبو الدواوين. فالعلماء، الذين مع أنهم يأتون في الطبقة الثالثة فقد كان احترام العامة لبضعهم يفوق احترامهم وتقديرهم للولاة والخلفاء أنفسهم. ثم كبار الأثرياء من التجار وشيوخ العشائر. وأخيراً تأتي الطبقة الخامسة وهي عامة الناس، مثل المزارعين والحرفيين وغيرهم.[153]
عاش العرب بشكل عام حياة بسيطة في أيام الإسلام وقبله، فكان طعامهم على سبيل المثال يتألف من بضعة أصناف فحسب، أفخرها على الإطلاق هو اللحم مع الثريد. لكن مع توسع الفتوحات في العصر الأموي وترامي أطراف الدولة وازدهارها اختلفت الحال، إذ اقتبس العرب عادات الكثير من الثقافات التي احتكوا بها نتيجة الفتوحات، فأصبحوا يستخدمون أدوات فخارية وخشبية لتناول الطعام كانت تأتيهم من الصين مثل الشوك والملاعق، وأصبحوا يتناولون طعامهم على موائد وكراس خشبية بدلاً من أن يجلسوا على الأرض ويتناولوه بأيديهم كما في السّابق. وقد ساهم في نقل مثل هذه العادات الحياتية والاجتماعية إلى العرب إحضارهم الكثير من الجواري إلى بلادهم، فنقلن إلى العرب عادات وتقاليد شعوبهن.[154]
كانت المناسبات الإسلامية وأبرزها عيدا الفطر والأضحى ذات صدى كبير في أنحاء الدولة الأموية، فكان يَخرج الخليفة في موكب مهيب وسط رجال الدولة الكبار يتقدمهم الجند لأداء صلاة العيد. كما أن الأعراس والأفراح وبعد أن كانت بسيطة جداً في عهود الخلفاء الراشدين وما قبل الإسلام باتت مترفة جداً وتُنفق عليها أموال طائلة، فكانوا يقيمون ولائم عظيمة في الأعراس، ثم يلعب الفتيان بالرامح ويتسابقون بالخيل فيما تجلس النساء يتحدثن إلى بعضهن البعض، وأما العروس فكانت تزين بزينة عظيمة، ويُحيط بها خدمها يُغنون لها حتى تذهب إلى بيت زوجها.[155] وقد كان من وسائل الترفيه والتسلية الشائعة في تلك الحقبة جلب المغنين أو «المضحكين» الذين يلقون النكات ويضحكون الناس. كما كانت ألعاب النرد والشطرنج شائعة أيضاً، اللتين أخذهما العرب من الفرس. كما كانوا يرفهون عن أنفسهم بالصيد والرياضة، وأقامت الدولة في عهد هشام بن عبد الملك سباقات كبيرة للخيل بلغ عدد المشاركين فيها 4,000 حصان في إحداها.[156]
بشكل عام امتاز المجتمع في العصر الأموي بالترف الكثير على النقيض من عهود الإسلام السابقة. ولم ينعكس ذلك على المناسبات والعادات الاجتماعية فحسب، إنما على ملابس العامة أيضاً، فتنافس الناس وخصوصاً الخلفاء وكبار رجال البلاط في شراء الملابس الجديدة والفاخرة والمتميزة، وأصبحَ الجميع يرتدون جباباً وأردية وسراويل وعمائم وقلانس. ثم ومع ازدياد الإسراف أصبح التجار يجلبون معهم إلى البلاد الإسلامية مختلف أنواع الحرير والصوف بين موشّى ومطرّز ومحاك بالذهب والفضة ومرصع بالأحجار الكريمة.[157] وكان خلفاء بني أمية يرتدون ملابس بيضاء على الأغلب ومن أفخر أنواع القماش المطرز.[158] وكان من قطع الملابس التي ارتداها الأمويون: القباء (رداء أو زي خارجي مفتوح عند الرقبة أو يقفل بأزرار وهو ضيق الكمين وفي بعض الأحيان متوسط الاتساع) والدراعة (جبة مشقوفة من الأمام) والطيلسان (الطرح التي تغطي الرأس) والغلالة (ثوب رقيق شفاف يشبه القميص الذي ترتديه المرأة) الملحفة (ملاية) والإزار (لباس لستر العورة) والشاشية (قبعة) والتكة (رباط السروال).[159] كما أن أسلوب إنتاج الأقمشة الخاصة المطرزة في المناسج الملكية ولد في العصر الأموي، ثم تطور لاحقاً وساد في أنحاء الدولة الإسلامية خلال العصور الوسطى، وكان أول خليفة أموي يؤسس مصانع خاصة للنسيج المطرز هشام بن عبد الملك.[160] وقد كان من الظواهر المهمة في العصر الأموي أن أصبحَ غير المسلمين يرتدون ملابس العرب الفاخرة، حتى جاء عهد عمر بن عبد العزيز الذي حَرّم على أهل الذمة ارتداء لباس الرأس العربي ومنه العمامة والعصب والطيلسان والملابس العسكرية العربية والأردية الخاصة مثل القبعة، وكان على هؤلاء أن يرتدوا حزاماً متميزاً يسمى المِنْطَق وأحياناً الزُنّار.
قراءة و تحميل كتاب أثر بني مخزوم في عصر الدولة الأموية (40 – 132ه / 660 – 749م) PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب تاريخ الدولة العربية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية (الأولي) PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب تاريخ الدولة العربية الإسلامية منذ ظهور الإسلام حتى نهاية العصر الأموي PDF مجانا